الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير (نسخة منقحة)
أي: قطع.وقد فعل الكفار ذلك امتثالاً لأمر الشيطان واتباعاً لرسمه، فشقوا آذان البحائر والسوائب، كما ذلك معروف.قوله: {وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيّرُنَّ خَلْقَ الله} أي: ولآمرنهم بتغيير خلق الله، فليغيرنه بموجب أمري لهم. واختلف العلماء في هذا التغيير ما هو؟ فقالت طائفة: هو الخصاء وفقء الأعين، وقطع الآذان.وقال آخرون: إن المراد بهذا التغيير هو أن الله سبحانه خلق الشمس والقمر والأحجار، والنار، ونحوها من المخلوقات لما خلقها له، فغيرها الكفار بأن جعلوها آلهة معبودة، وبه قال الزجاج وقيل المراد بهذا التغيير: تغيير الفطرة التي فطر الله الناس عليها، ولا مانع من حمل الآية على جميع هذه الأمور حملاً شمولياً، أو بدلياً.وقد رخص طائفة من العلماء في خصاء البهائم إذا قصد بذلك زيادة الانتفاع به لسمن أو غيره، وكره ذلك آخرون، وأما خصاء بني آدم فحرام، وقد كره قوم شراء الخصي. قال القرطبي: ولم يختلفوا أن خصاء بني آدم لا يحل ولا يجوز وأنه مثلة وتغيير لخلق الله، وكذلك قطع سائر أعضائهم في غير حدّ ولا قود، قاله أبو عمر بن عبد البر.{وَمَن يَتَّخِذِ الشيطان وَلِيّاً مّن دُونِ الله} باتباعه وامتثال ما يأمر به من دون اتباع لما أمر الله به، ولا امتثال له {فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَاناً مُّبِيناً} أي: واضحاً ظاهراً {يَعِدُهُمْ} المواعيد الباطلة {وَيُمَنّيهِمْ} الأماني العاطلة {وَمَا يَعِدُهُمْ الشيطان إِلاَّ غُرُوراً} أي: وما يعدهم الشيطان بما يوقعه في خواطرهم من الوساوس الفارغة {إِلاَّ غُرُوراً} يغرّهم به ويظهر لهم فيه النفع، وهو ضرر محض، وانتصاب {غروراً} على أنه نعت لمصدر محذوف، أي: وعداً غروراً، أو على أنه مفعول ثان، أو مصدر على غير لفظه. قال ابن عرفة: الغرور ما رأيت له ظاهراً تحبه، وله باطن مكروه وهذه الجملة اعتراضية.قوله: {أولئك} إشارة إلى أولياء الشيطان، وهذا مبتدأ، وخبره الجملة، وهي قوله: {مَّأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ}. قوله: {مَحِيصاً} أي: معدلاً، من حاص يحيص وقيل ملجأ، ومخلصاً؛ والمحيص اسم مكان، وقيل: مصدر. قوله: {والذين ءامَنُواْ} إلخ جعل هذا الوعد للذين آمنوا مقترناً بالوعيد المتقدّم للكافرين.قوله: {وَعْدَ الله حَقّا} قال في الكشاف مصدران: الأوّل مؤكد لنفسه، والثاني مؤكد لغيره، ووجهه أن الأوّل مؤكد لمضمون الجملة الاسمية، ومضمونها وعد، والثاني مؤكد لغيره، أي: حق ذلك حقاً. قوله: {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ الله قِيلاً} هذه الجملة مؤكدة لما قبلها، والقيل مصدر قال كالقول، أي: لا أجد أصدق قولاً من الله عز وجل؛ وقيل: إن قيلا اسم لا مصدر، وإنه منتصب على التمييز.وقد أخرج الترمذي من حديث عليّ أنه قال: ما في القرآن آية أحبّ إليّ من هذه الآية: {إِنَّ الله لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء} قال الترمذي: حسن غريب.وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر عن أبي مالك في قوله: {إِن يَدْعُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ إناثا} قال: اللات والعزة، ومناة كلها مؤنثة.وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد المسند، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والضياء في المختارة عن أبيّ بن كعب في الآية قال مع كل صنم جنيه.وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس: {إِن يَدْعُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ إناثا} قال: موتى.وأخرج مثله عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن الحسن.وأخرج مثله أيضاً عبد بن حميد، وابن جرير عن قتادة.وأخرج سعيد بن منصور، وابن جرير، وابن المنذر عن الحسن قال: كان لكل حيّ من أحياء العرب صنم يعبدونها يسمونها أنثى بني فلان، فأنزل الله: {إِن يَدْعُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ إناثا}.وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم، عن الضحاك قال المشركون: إن الملائكة بنات الله، وإنما نعبدهم ليقربونا إلى الله زلفى، قال: اتخذوهنّ أرباباً، وصوروهنّ صور الجواري، فحلوا وقلدوا، وقالوا هؤلاء يشبهن بنات الله الذي نعبده: يعنون الملائكة.وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل بن حيان في قوله: {وَقَالَ لأُتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ} إلخ، قال: هذا إبليس يقول من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون إلى النار وواحد إلى الجنة.وأخرج ابن المنذر عن الربيع ابن أنس مثله.وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر عن قتادة في قوله: {فَلَيُبَتّكُنَّ ءاذَانَ الأنعام} قال التبتيك في البحيرة والسائبة يبتكون آذانها لطواغيتهم.وأخرج عبد الرزاق، وابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر عن أنس أنه كره الإخصاء، وقال فيه نزلت: {وَلاَمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيّرُنَّ خَلْقَ الله}.وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر عن ابن عباس مثله.وأخرج ابن أبي شيبة، والبيهقي، عن ابن عمر قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن خصاء البهائم والخيل.وأخرج ابن المنذر، والبيهقي عن ابن عباس قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صبر الروح، وإخصاء البهائم وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم من طرق عن ابن عباس في قوله: {وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيّرُنَّ خَلْقَ الله} قال: دين الله.وأخرج ابن جرير، عن الضحاك مثله.وأخرج سعيد بن منصور، وابن المنذر عن سعيد بن جبير مثله أيضاً.وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن الحسن قال: الوشم.
وخليل فعيل بمعنى فاعل كالعليم بمعنى العالم وقيل: هو بمعنى المفعول كالحبيب بمعنى المحبوب.وقد كان إبراهيم عليه السلام محبوباً لله ومحباً له. وقيل: الخليل من الاختصاص، فالله سبحانه اختص إبراهيم برسالته في ذلك الوقت واختاره لها، واختار هذا النحاس.وقال الزجاج: معنى الخليل الذي ليس في محبته خلل {وَللَّهِ مَا في السموات وَمَا فِي الأرض} فيه إشارة إلى أنه سبحانه اتخذ إبراهيم خليلاً لطاعته لا لحاجته، ولا للتكثر به، والاعتضاد بمخاللته {وَكَانَ الله بِكُلّ شَئ مُّحِيطاً} هذه الجملة مقررة لمعنى الجملة التي قبلها، أي: أحاط علمه بكل شيء: {لاَ يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا} [الكهف: 49].وقد أخرج سعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، عن مجاهد قال: قالت العرب: لا نبعث، ولا نحاسب، وقالت اليهود، والنصارى: {لَن يَدْخُلَ الجنة إِلاَّ مَن كَانَ هُودًا أَوْ نصارى} [البقرة: 11] وقالوا: {لَن تَمَسَّنَا النار إِلاَّ أَيَّامًا مَّعْدُودَةً} [البقرة؛ 80] فأنزل الله: {لَّيْسَ بأمانيكم وَلا أَمَانِىّ أَهْلِ الكتاب مَن يَعْمَلْ سُوءا يُجْزَ بِهِ}.وأخرج سعيد بن منصور، وابن جرير، وابن المنذر عن مسروق قال: احتج المسلمون، وأهل الكتاب، فقال المسلمون: نحن أهدى منكم، وقال أهل الكتاب: نحن أهدى منكم، فنزلت ففلج عليهم المسلمون بهذه الآية: {وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصالحات مِن ذَكَرٍ أَوْ أنثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ} الآية.وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، عن مسروق قال: تفاخر النصارى، وأهل الإسلام، فقال هؤلاء نحن أفضل منكم، وقال هؤلاء نحن أفضل منكم، فنزلت.وقد ورد معنى هذه الروايات من طرق كثيرة مختصرة ومطوّلة.وأخرج عبد بن حميد، والترمذي، وابن المنذر، عن أبي بكر الصديق أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له لما نزلت هذه الآية: «أما أنت، وأصحابك يا أبا بكر، فتجزون بذلك في الدنيا حتى تلقوا الله ليس لكم ذنوب، وأما الآخرون، فيجمع لهم ذلك حتى يجزوا به يوم القيامة».وأخرج البخاري، ومسلم وغيرهما عن أبي هريرة، وأبي سعيد أنهما سمعا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما يصيب المؤمن من وصب، ولا نصب، ولا سقم، ولا حزن حتى الهمّ يهمه إلا كفر الله به من سيئاته» وقد ورد في هذا المعنى أحاديث كثيرة.وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم، عن ابن عباس أن ابن عمر لقيه، فسأل عن هذه الآية: {وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصالحات} قال: الفرائض.وأخرج الحاكم، وصححه عن جندب: أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول قبل أن يتوفى: «إن الله اتخذني خليلاً، كما اتخذ إبراهيم خليلاً».وأخرج الحاكم أيضاً وصححه، عن ابن عباس قال: أتعجبون أن تكون الخلة لإبراهيم، والكلام لموسى، والرؤية لمحمد صلى الله عليه وسلم؟
|